كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأما ما كان فيه من الآيات وهي:
الثالثة: فروى النسائي عن أبي سكينة رجلٍ من المحرَّرين عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق عرضت لهم صخرة حالت بينهم وبين الحفر، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ المعْول ووضع ردائه ناحية الخندق وقال: {وَتَمَّتْ كَلمَةُ رَبّكَ صدْقًا} [الأنعام: 115] الآية؛ فَنَدَرَ ثلث الحجر وسلمان الفارسي قائم ينظر، فَبَرَق مع ضربة رسول الله صلى الله عليه وسلم بَرْقَةٌ، ثم ضرب الثانية وقال: وَتَمَّتْ الآية؛ فَنَدَرَ الثلث الآخر؛ فبرقت برقة فرآها سلمان، ثم ضرب الثالثة وقال: {وَتَمَّتْ كَلمَةُ رَبّكَ صدْقًا} [الأنعام: 115] الآية؛ فندر الثلث الباقي، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ رداءه وجلس.
قال سلمان: يا رسول الله، رأيتك حين ضربت! ما تضرب ضربة إلا كانت معها برقة؟ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت ذلك يا سلمان؟» فقال: أيْ والذي بعثك بالحق يا رسول الله! قال: «فإني حين ضربت الضربة الأولى رُفعت لي مدائن كسرى وما حولها ومدائن كثيرة حتى رأيتها بعينيّ» قال له من حضره من أصحابه؛ يا رسول الله، ادع الله أن يفتحها علينا ويغنّمَنا ذراريهم ويخرّب بأيدينا بلادهم؛ فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثم ضربتُ الضربة الثانية فرُفعت لي مدائن قَيْصر وما حولها حتى رأيتها بعينيّ» قالوا: يا رسول الله، ادع الله تعالى أن يفتحها علينا ويغنمنا ذراريهم ويخرب بأيدينا بلادهم؛ فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثم ضربتُ الضربة الثالثة فرُفعت لي مدائن الحبشة وما حولها من القرى حتى رأيتها بعينيّ» قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: «دعوا الحبشة ما وَدَعوكم واتركوا الترك ما تركوكم» وخرجه أيضًا عن البَرَاء قال: لما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحفر الخندق عرض لنا صخرة لا تأخذ فيها المعاول، فاشتكينا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقى ثوبه وأخذ المعْول وقال: «باسم الله» فضرب ضربة فكسر ثلث الصخرة ثم قال: «الله أكبر أُعْطيت مفاتيح الشام واللَّه إني لأبصر إلى قصورها الحمراء الآن من مكاني هذا» قال: ثم ضرب أخرى وقال: «باسم الله» فكسر ثلثًا آخر ثم قال: «الله أكبر أُعطيت مفاتيح فارس والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض».
ثم ضرب الثالثة وقال: «باسم الله» فقطع الحجر وقال: «الله أكبر أُعطيت مفاتيح اليمن والله إني لأبصر باب صنعاء» صححه أبو محمد عبد الحق.
الرابعة: فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حفر الخندق أقبلت قريش في نحو عشرة آلاف بمن معهم من كنانة وأهل تهامة، وأقبلت غَطفان بمن معها من أهل نجد حتى نزلوا إلى جانب أُحُد، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون حتى نزلوا بظهر سَلْع في ثلاثة آلاف وضربوا عسكرهم والخندق بينهم وبين المشركين، واستعمل على المدينة ابنَ أُمّ مَكْتوم في قول ابن شهاب وخرج عدوّ الله حُيَيّ بن أخطْب النضري حتى أتى كعب بن أسد القُرَظيّ، وكان صاحبَ عقد بني قريظة ورئيسَهم، وكان قد وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاقده وعاهده؛ فلما سمع كعب بن أسد حُيَيّ بن أخطب أغلق دونه باب حصنه وأبى أن يفتح له؛ فقال له: افتح لي يا أخي؛ فقال له: لا أفتح لك، فإنك رجل مشؤوم، تدعوني إلى خلاف محمد وأنا قد عاقدته وعاهدته، ولم أر منه إلا وفاءً وصدقًا، فلست بناقض ما بيني وبينه.
فقال حُيَيّ: افتح لي حتى أكلمك وأنصرف عنك؛ فقال: لا أفعل؛ فقال: إنما تخاف أن آكل معك جشيشتك؛ فغضب كعب وفتح له؛ فقال: يا كعب! إنما جئتك بعزّ الدهر، جئتك بقريش وسادتها، وغَطَفان وقادتها؛ قد تعاقدوا على أن يستأصلوا محمدًا ومن معه؛ فقال له كعب: جئتني والله بذل الدهر وبجهام لا غيث فيه! ويحك يا حُيَيّ؟ دَعْني فلستُ بفاعل ما تدعوني إليه؛ فلم يزل حُيَيّ بكَعْب يَعده ويَغُرّه حتى رجع إليه وعاقده على خذلان محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأن يسير معهم، وقال له حُيَيّ بن أخطب: إن انصرفت قريش وغَطفان دخلت عندك بمن معي من اليهود.
فلما انتهى خبر كعب وحُيَيّ إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعث سعد بن عُبادة وهو سيد الخزرج، وسيّد الأوْس سعد بن معاذ، وبعث معهما عبد الله بن رَواحة وخَوّات بن جُبير، وقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انطلقوا إلى بني قُرَيظة فإن كان ما قيل لنا حقًا فالحْنوا لنا لَحْنًا ولا تَفُتُّوا في أعضاد الناس وإن كان كذبًا فاجهروا به للناس» فانطلقوا حتى أتوهم فوجدوهم على أخبث ما قيل لهم عنهم، ونالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: لا عهد له عندنا، فشاتمهم سعد بن معاذ وشاتموه؛ وكانت فيه حدّة فقال له سعد بن عُبادة: دع عنك مشاتمتهم، فالذي بيننا وبينهم أكثر من ذلك، ثم أقبل سعد وسعد حتى أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم في جماعة المسلمين فقالا: عَضَل والقَارَة يعرّضان بغدر عَضَل والقارة بأصحاب الرَّجيع حُبيب وأصحابه فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «أبشروا يا معشر المسلمين» وعظم عند ذلك البلاء واشتدّ الخوف، وأتى المسلمين عدوُّهم من فوقهم؛ يعني من فوق الوادي من قبل المشرق، ومن أسفل منهم من بطن الوادي من قبل المغرب، حتى ظنوا بالله الظنونا؛ وأظهر المنافقون كثيرًا مما كانوا يسرّون، فمنهم من قال: إن بيوتنا عورة، فلننصرف إليها، فإنا نخاف عليها؛ وممن قال ذلك: أوْس بن قيظي.
ومنهم من قال: يَعدنا محمد أن يفتح كنوز كسرى وقَيصر، وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه يذهب إلى الغائط! وممن قال ذلك: مُعَتّب بن قُشير أحد بني عمرو ابن عوف.
فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام المشركون بضعًا وعشرين ليلة قريبًا من شهر لم يكن بينهم حَرْب إلا الرمي بالنَّبْل والحصى.
فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه اشتدّ على المسلمين البلاء بعث إلى عُيَيْنة بن حصن الفَزَاري، وإلى الحارث بن عوف المرّي، وهما قائدا غَطَفان، فأعطاهما ثلث ثمار المدينة لينصرفا بمن معهما من غَطفان ويخذلا قريشًا ويرجعا بقومهما عنهم.
وكانت هذه المقالة مراوضة ولم تكن عقدًا؛ فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهما أنهما قد أنابا ورضيا أتى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فذكر ذلك لهما واستشارهما فقالا: يا رسول الله، هذا أمر تحبّه فنصنعه لك، أو شيء أمرك الله به فنسمع له ونطيع، أو أمر تصنعه لنا؟ قال: «بل أمر أصنعه لكم، واللَّه ما أصنعه إلا أنّي قد رأيت العرب قد رمتكم عن قَوْس واحدة» فقال له سعد بن معاذ: يا رسول الله، واللَّه لقد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان، لا نعبد الله ولا نعرفه، وما طمعوا قَطّ أن ينالوا منا ثمرة إلا شراء أو قرًى، فحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزّنا بك نعطيهم أموالنا! والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم!! فسُرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وقال: «أنتم وذاك» وقال لعيينة والحارث: «انصرفا فليس لكما عندنا إلا السيف» وتناول سعد الصحيفة وليس فيها شهادة فمحاها.
الخامسة: فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون على حالهم، والمشركون يحاصرونهم ولا قتال بينهم؛ إلا أن فوارس من قريش منهم عمرو بن عبد وُدّ العامريّ من بني عامر بن لُوَيّ، وعكرمة بن أبي جهل، وهُبَيرة بن أبي وهب، وضرار بن الخطاب الفهريّ، وكانوا فرسان قريش وشجعانهم، أقبلوا حتى وقفوا على الخندق، فلما رأوه قالوا: إن هذه لمكيدة، ما كانت العرب تكيدها.
ثم تيمموا مكانًا ضيقًا من الخندق، فضربوا خيلهم فاقتحمت بهم، وجاوزوا الخندق وصاروا بين الخندق وبين سَلْع، وخرج علي بن أبي طالب في نفر من المسلمين حتى أخذوا عليهم الثُّغرة التي اقتحموا منها، وأقبلت الفرسان نحوهم، وكان عمرو بن عبد ودّ قد أثبتته الجراح يوم بَدْر فلم يشهد أُحُدًا، وأراد يوم الخندق أن يُري مكانُه فلما وقف هو وخيله؛ نادى: من يبارز؟ فبرز له عليّ بن أبي طالب وقال له: يا عمرو، إنك عاهدت الله فيما بلغنا أنك لا تُدْعَى إلى إحدى خَلّتين إلا أخذت إحداهما؟ قال: نعم.
قال: فإني أدعوك إلى الله والإسلام.
قال: لا حاجة لي بذلك.
قال: فأدعوك إلى البراز.
قال: يا ابن أخي، والله ما أحبّ أن أقتلك لما كان بيني وبين أبيك.
فقال له عليّ: وأنا والله أحبّ أن أقتلك.
فحَمى عمرو بن عبد وُدّ ونزل عن فرسه، فعقره وصار نحو عليّ، فتنازلا وتجاولا وثار النقع بينهما حتى حال دونهما، فما انجلى النَّقْع حتى رُئيَ عليّ على صدر عمرو يقطع رأسه، فلما رأى أصحابُه أنه قد قتله عليّ اقتحموا بخيلهم الثُّغْرة منهزمين هاربين.
وقال عليّ رضي الله عنه في ذلك:
نصر الحجارةَ من سفاهة رأيه ** ونصرتُ دينَ محمد بضراب

نازلته فتركته متجدّلا ** كالجذْع بين دَكادكٍ ورَوَابي

وعففتُ عن أثوابه ولو أنني ** كنت المقطَّرَ بَزَّني أثوابي

لا تحسبُنّ الله خاذلَ دينه ** ونبيّه يا معشر الأحزاب

قال ابن هشام: أكثر أهل العلم بالسير يشك فيها لعليّ.
قال ابن هشام: وألقى عكرمة بن أبي جهل رمحه يومئذٍ وهو منهزم عن عمرو؛ فقال حسان بن ثابت في ذلك:
فرّ وألقَى لنا رُمْحَه ** لعلّك عكرمَ لم تَفْعل

وولّيت تَعْدُو كعَدْو الظَّلـ ** ـيم ما إن تجور عن المَعْدل

ولم تُلق ظهرك مستأنسًا ** كأن قَفاك قَفَا فُرْعُل

قال ابن هشام: فرعل صغير الضباع.
وكانت عائشة رضي الله عنها في حصن بني حارثة، وأُمُّ سعد بن معاذ معها، وعلى سعد درع مُقَلّصة قد خرجت منها ذراعه، وفي يده حربته وهو يقول:
لَبّثْ قليلًا يلحق الهَيْجَا جَمَلْ ** لا بأس بالموت إذا كان الأجَلْ

ورُمي يومئذٍ سعد بن معاذ بسهم فقطع منه الأكحل.
واختلف فيمن رماه؛ فقيل: رماه حبّان بن قيس ابن العَرقة، أحد بني عامر بن لؤيّ، فلما أصابه قال له: خذها وأنا ابن العَرقة.
فقال له سعد؛ عرّق الله وجهك في النار.
وقيل: إن الذي رماه خفاجة بن عاصم بن حبان.
وقيل: بل الذي رماه أبو أسامة الجُشَميّ، حليف بني مخزوم.
ولحسان مع صفية بنت عبد المطلب خبر طريف يومئذٍ؛ ذكره ابن إسحاق وغيره.
قالت صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها: كنا يوم الأحزاب في حصن حسان بن ثابت، وحسان معنا في النساء والصبيان، والنبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه في نحر العدوّ لا يستطيعون الانصراف إلينا، فإذا يهوديّ يدور، فقلت لحسان: انزل إليه فاقتله؛ فقال: ما أنا بصاحب هذا يا ابنة عبد المطلب! فأخذت عمودًا ونزلت من الحصن فقتلته، فقلت: يا حسان، انزل فاسلبه، فلم يمنعني من سَلَبه إلا أنه رجل.
فقال: مالي بسلبه حاجة يا ابنة عبد المطلب! قال: فنزلت فسلبته.
قال أبو عمر بن عبد البر: وقد أنكر هذا عن حسان جماعة من أهل السّيَر وقالوا: لو كان في حسان من الجبن ما وصفتم لهجاه بذلك الذين كان يهاجيهم في الجاهلية والإسلام، ولَهُجيَ بذلك ابنه عبد الرحمن؛ فإنه كان كثيرًا ما يهاجي الناس من شعراء العرب؛ مثل النجاشي وغيره.
السادسة: وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نعيم بن مسعود بن عامر الأشجعيّ فقال: يا رسول الله، إني قد أسلمت ولم يعلم قومي بإسلامي، فمُرْني بما شئت؛ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما أنت رجل واحد من غَطَفان فلو خرجتَ فخذّلت عنّا إن استطعت كان أحبّ إلينا من بقائك معنا فاخرج فإن الحرب خدعة» فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني قُريظة وكان ينادمهم في الجاهلية فقال: يا بني قريظة، قد عرفتم ودّي إياكم، وخاصّة ما بيني وبينكم؛ قالوا: قل فلستَ عندنا بمتَّهَم؛ فقال لهم: إن قريشًا وغَطَفان ليسوا كأنتم، البلد بلدكم، فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم، وإن قريشًا وغَطَفان قد جاؤوا لحرب محمد وأصحابه، وقد ظاهرتموهم عليه فإن رأوا نُهْزة أصابوها، وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلّوْا بينكم وبين الرجل، ولا طاقة لكم به، فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهنًا.
ثم خرج حتى أتى قريشًا فقال لهم: قد عرفتم ودّي لكم معشرَ قريش، وفراقي محمدًا، وقد بلغني أمرٌ أرى من الحق أن أبلّغكموه نصحًا لكم، فاكتموا عليّ؛ قالوا نفعل؛ قال: تعلمون أن معشر يهودَ، قد نَدموا على ما كان من خذلانهم محمدًا، وقد أرسلوا إليه: إنا قد نَدمنا على ما فعلنا، فهل يرضيك أن نأخذ من قريش وغَطَفان رجالًا من أشرافهم فنعطيكهم فتضرب أعناقهم، ثم نكون معك على ما بقي منهم حتى نستأصلهم.
ثم أتى غَطَفان فقال مثل ذلك.
فلما كان ليلة السبت وكان ذلك من صنع الله عز وجل لرسوله والمؤمنين، أرسل أبو سفيان إلى بني قُرَيظة عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان يقول لهم: إنا لسنا بدار مُقام، قد هلك الخُفّ والحافر، فاغدوا صبيحة غدٍ للقتال حتى نناجز محمدًا؛ فأرسلوا إليهم: إن اليوم يوم السبت، وقد علمتم ما نال منّا مَن تعدّى في السبت، ومع ذلك فلا نقاتل معكم حتى تعطونا رُهُنًا؛ فلما رجع الرسول بذلك قالوا: صَدَقنا واللَّه نعيم بن مسعود؛ فردّوا إليهم الرسل وقالوا: والله لا نعطيكم رهنًا أبدًا فاخرجوا معنا إن شئتم وإلا فلا عهد بيننا وبينكم.
فقال بنو قريظة: صدق واللَّه نعيم بن مسعود.
وخذل الله بينهم، واختلفت كلمتهم، وبعث الله عليهم ريحًا عاصفًا في ليالٍ شديدة البرد؛ فجعلت الريح تقلب آنيتهم وتكفَأ قدورهم.
السابعة: فلما اتصل برسول الله صلى الله عليه وسلم اختلاف أمرهم، بعث حذيفة بن اليمان ليأتيه بخبرهم، فأتاهم واستتر في غمارهم، وسمع أبا سفيان يقول: يا معشر قريش ليتعرّف كل امرىء جليسه.
قال حذيفة: فأخذت بيد جليسي وقلت: ومن أنت؟ فقال: أنا فلان.
ثم قال أبو سفيان: ويلكم يا معشر قريش! إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام، ولقد هلك الكراع والخُفّ وأخلفتنا بنو قُريظة، ولقينا من هذه الريح ما ترون، ما يستمسك لنا بناء، ولا تثبت لنا قدر، ولا تقوم لنا نار، فارتحلوا فإني مرتحل؛ ووثب على جمله فما حلّ عقال يده إلا وهو قائم.
قال حذيفة: ولولا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لي إذ بعثني، قال لي: «مُرّ إلى القوم فاعلم ما هم عليه ولا تحدث شيئًا» لقتلته بسهم؛ ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند رحيلهم، فوجدته قائمًا يصلّي في مرْطٍ لبعض نسائه مراجل قال ابن هشام: المراجل ضرب من وَشْي اليمن فأخبرته فحمد الله.
قلت: وخبر حذيفة هذا مذكور في صحيح مسلم، وفيه آيات عظيمة، رواه جرير عن الأعمش عن إبراهيم التيميّ عن أبيه قال: كنا عند حذيفة فقال رجل لو أدركتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتَلْت معه وأبلَيْت.